Translate

Tuesday, September 3, 2013


منبر

"ما بين الخوف والايمان"


4 أيلول 2013
بعد التفجيرات في بيروت وطرابلس والكلام على تفجيرات متنقلة. وبعد التهديد بالضربة الدولية. يعيش الكثير من الناس في خوف شديد، يتجلى في خلو الشوارع من المارة. فالخوف هو سمة هذه الايام ان الخوف في حدوده الطبيعية هو ضرورة غريزية تساعدنا على الاستعداد لتجنب المخاطر. اما اذا ما خرج الخوف عن حدوده الطبيعية، اما بسبب ازدياد خطورة المخاطر التي تهدد الحياة، او اذا ما تحول الى ظاهرة مرضية، فقد يسبب شللا كبيرا يعيق كل جوانب حياة الانسان، يعيق قدرته وتفكيره وتخطيطه واسلوب حياته. للخوف تأثيرات جسدية متعددة على الانسان. تذكر بعض الدراسات أن حوالى 40 – 60% من الامراض، تعود الى الخوف والقلق. وذكر احد الاطباء في علم النفس، ان 58% من مرضاه لا يحتاجون الى دواء، بل هم في حاجة الى تغيير مواقفهم النفسية والفكرية والروحية. وفي علم نفس الخوف، فان الانسان الخائف يصبح انانيا، بمعنى انه ينغلق على نفسه ولا يقوم بشيء، سوى التفكير في حالته والتركيز على مخاوفه، وكل ما يهدد سلامته. وعندما يركز الانسان على نفسه دون سواه، فانه ودون ان يلاحظ، ينسى الله ويخرج من تفكيره وقلبه وعواطفه، فيتزعزع أو ربما يخسر ايمانه.
وبالتالي، هناك علاقة توتر وتباعد بين الخوف والايمان، اذ من الصعب ان يسيرا جنباً الى جنب، فلا بد لاحدهما ان يعمل على ازالة الآخر. ان علاقة التوتر بين الخوف والايمان، يذكرها الكتاب المقدس في كثير من المقاطع، لكن اود ان اتوقف عند مقطع انجيل مرقس 4: 35 – 41.
يخبرنا البشير مرقس، انه بعد ان قضى يسوع المسيح يوما كاملا في الكرازة والوعظ وإجراء العجائب، فانه عند المساء صرف الجمع ودخل السفينة مع تلامذه وطلب منهم ان يعبروا الى الجانب الآخر. ولشدة تعبه وانهاكه، نام المسيح على وسادة في مؤخر السفينة. وبينما كان نائما، هبّت عاصفة قوية جداً وعلت الامواج. يصف مرقس العاصفة بقوله، "فكانت الامواج تضرب السفينة حتى صارت تمتلىء" (مرقص 4:37). فالخطر هو خطر غرق السفينة. انه خطر الموت. وردة فعل التلاميذ في مواجهتهم هذا الخطر كان الخوف الشديد. عندها، ذهبوا الى المسيح وأيقوظه قائلين، "يا معلم اما يهمك اننا نهلك" (مرقص 4:38). "مش فرقانة معك!". هذا هو لسان حالنا دائما عندما نكون في حالة اضطراب وخوف شديد، فنوجه اصابعنا الى الله ونقول له: اما يهمك ماذا يحدث بنا، اما يهمك ماذا تتعرض له صحتنا، واولادنا، وبلادنا، ومنطقتنا؟. يدون كتاب الكتاب المقدس، الكثير من هذه الاسئلة الانسانية، منها قول المرنم لله في المزمور (13:1)، "الى متى يا رب تنساني كل النسيان، الى متى تحجب وجهك عني؟". عند الاضطرابات والصعوبات التي تسبب الخوف الشديد، يميل الانسان الى الظن بأن الله ينسانا ويتغاضى عنا. الا ان حقيقة الامر، هو اننا نحن ننساه ونتغاضى عنه، وننشغل بمخاوفنا، ونركز على انفسنا ومشاعر الخوف التي تنتابنا، وننسى ان الله قادر على تغيير حالة الخوف التي نعيش فيها، ووضعنا في حالة جديدة من السلام والرجاء. يخبرنا البشير مرقس، ماذا قام به المسيح عندما لجأ تلاميذه اليه طالبين منه العون، كيما ينقذهم من خطر الموت. لقد "انتهر الريح، وقال للبحر: اسكت. ابكم" (مرقص 4:39). "فسكتت الريح، وصار هدوء عظيم" (مرقص 4:39:. وبعد ان هدّأ المسيح عواصف البحر الهوجاء، توجه الى التلاميذ قائلا لهم، "ما بالكم خائفين هكذا. كيف لا ايمان لكم؟" (مرقص 4:40). والمسيح بقوله هذا أكد، وجود علاقة توتر وتباعد، بين الخوف والايمان، اذ من الصعب ان يسيرا، جنبا الى جنب. "فاذا ما كنتم خائفين، هذا يعني ان لا ايمان لكم" قال المسيح. فخوف التلاميذ الشديد "أفقدهم الايمان"، او "قلل او اضعف ايمانهم"، كما يذكر البشير متى في سرده لنفس القصة، اذ قال، "ما بالكم خائفين، يا قليلي الايمان" (متى 8:26). وبالتالي، عندما ينتابنا الخوف الشديد، لنحذر اما من، قلة ايماننا او فقدان ايماننا. قال احدهم: "الخوف هو عدم ايمان مقنع".
عرّف كاتب سفر العبرانيين الايمان بقوله، "الايمان هو الثقة بما يرجى والايقان بأمور لا ترى" (عبرانيين 11:1). عندما، نؤمن ونثق ونتيقن، بحضور الله معنا وننشغل بمحبته ونعمته ومراحمه وكلامه وقدرته، نمتلىء بالايمان، ويغيب عنا الخوف. يقول الرسول يوحنا في رسالته الاولى، "لا خوف في المحبة، بل المحبة الكاملة، تطرح الخوف الى خارج، لأن الخوف له عذاب. واما من خاف فلم يتكمل في المحبة (1 يوحنا 4: 18) وهو يقصد بقوله هذا انه عندما نوجه قلوبنا وعقولنا وكامل حياتنا نحو الله لنختبر عظمة محبته الكاملة، فان الله يطرد الخوف من قلوبنا، اذ لا يمكن ان يتعايش الايمان مع الخوف. قارن هاري فورديك، بين تأثير الخوف وتأثير الايمان في الحياة، فقال: "الخوف يسجن، بينما الايمان يحرر. الخوف يشل، بينما الايمان يقوي. الخوف يحبط، بينما الايمان يشجع. الخوف يعل، بينما الايمان يشفي. الخوف يجعل الانسان بلا فائدة، بينما الايمان يؤهل الانسان للخدمة. الخوف يملأ باليأس، بينما الايمان يملأ بالفرح والرجاء". في هذه الظروف الصعبة والمخيفة التي نعيشها في بلادنا ومنطقتنا، دعوتنا للجميع هي ان نوجه انظارنا الى الله ونعتمد عليه، كيما يطرد الخوف من قلوبنا، ويخفف آلام المتألمين، ويغيّر احوال بلادنا ومنطقتنا لتنعم بالسلام. والله على كل شيء قدير.

No comments:

Post a Comment