Translate

Tuesday, April 7, 2015

زيادة الأمراض المستعصية لدى المسنين.. ومركز متخصص واحد في بيروت!

مقالات/ تحقيقات/ دراسات - الأربعاء 25 تشرين ثاني 2009 - [ عدد المشاهدة: 1443 ]


فاتن قبيسي - السفير:
كثر هم المسنون الذين يتعرضون لأمراض مزمنة ومستعصية، ويحتاجون للإقامة الاستشفائية الدائمة، علماً بأن الحاجة إلى مراكز صحية من هذا النوع في لبنان، غير ملباة بالمعنى الفعلي للكلمة.
تحتل هذه الحالات من 30 إلى 50 في المئة من أسرّة غرف العناية الفائقة في المستشفيات، والتي تطلب إداراتها من ذويها نقلها بعد مضي أشهر، بداعي أن علاجها لا يحرز تقدماً، وأنها تشغل دون جدوى أسرّة مرضى آخرين، هم أكثر حاجة الى العلاج والتقدم.
الغيبوبة المزمنة - وما يرافقها مثل tracheostomie (ثقب في منطقة الحنجرة لإدخال أنبوب يساعد على التنفس وتصريف البلغم)، gastrotomie (فتح المعدة لإدخال أنبوب تغذية) - الزهايمر، السرطان والأمراض المستعصية الأخرى، حالات تصيب المسنين بدرجة لافتة، فيكتب على عائلاتهم القيام بعملية بحث «شاقة» بين المستشفيات والمراكز التأهيلية، لتكتشف ضآلة الخيارات، بل النقص الفادح في هذا المجال.
يبلغ عدد المسنين في لبنان 362 ألفا و440 مسناً، أي حوالى 9,6 في المئة من مجموع السكان المقدرين بثلاثة ملايين و759 ألفا و136 مقيماً، بحسب الدراسة الوطنية للأحوال المعيشية للأسر للعام 2007.
وبحسب دراسة غير منشورة بعد لوزارة الشؤون الاجتماعية، يبلغ عدد المؤسسات الرعائية للمسنين 122 مؤسسة. منها 41 مؤسسة هي دور للإقامة الدائمة، والبقية مؤسسات مخصصة للخدمات النهارية (مستوصفات، نواد، ومطاعم).
وتتوزع دور الإقامة الدائمة كالتالي: خمسة دور في بيروت، 22 في جبل لبنان، عشر في الشمال، ثلاث في البقاع، وواحد في الجنوب، غير أن معظم هذه الدور عبارة عن مراكز إيوائية، أو بيوت راحة ليس إلا.
وفيما تغيب الأرقام الرسمية حول عدد المسنين المصابين بالأمراض المزمنة وأنواعها - باستثناء داء الزهايمر، الذي يقدر طبيب الشيخوخة الدكتور نبيل نجا أن نسبة الإصابة به هي عشرة بالمئة - فاللافت هو تزايد عدد المسنين ممن يصابون بالغيبوبة المزمنة، في السنوات الأخيرة، نتيجة جلطة دماغية، أو سقوط على الرأس، أو ارتفاع الضغط... وللدلالة على حجم المشكلة، يكفي أن نعلم أنه يوجد مركز واحد في بيروت، يستقبل ذوي الأمراض المستعصية، وهو «وحدة العناية الملطفة» الذي استحدث في «دار العجزة الإسلامية» منذ سنة ونصف السنة. والبقية مراكز قليلة تتوزع في المحافظات اللبنانية، «وهي لا تغطي مجتمعة سوى عشرة بالمئة من حالات طويلة الأمد في لبنان»، بحسب الدكتور نجا.
غير أن ما يزيد الأمور تعقيداً هو أن هذه المراكز غير مخصصة للمسنين فحسب، «فوحدة العناية الملطفة» في بيروت، يقتصر عدد أسرّتها على ثمانية فقط، يشغل المسنون نصفها فقط.
وخارج بيروت، يضم «مركز الغيبوبة»، الحديث الولادة في «مجمع الرحمة الطبي» في طرابلس، على سبيل المثال، أربعة مسنين فقط من أصل 12 سريراً في المركز.
وهكذا، يضيق الهامش كثيراً أمام العائلات، التي تبحث للمسنين المرضى فيها عن مركز تأهيلي، لا سيما أن أسماء العديد منهم مدرجة على لوائح الانتظار في بعض هذه المراكز. ويزيد الوضع تأزماً لدى العائلات المقيمة في بيروت، التي تضطر الى اعتماد واحد من خيارين أهونهما مرّ: إما «احتضانه» ضمن العائلة، وهي خطوة محبذة عاطفياً وأسرياً، إلا أن كلفتها تقارب خمسة آلاف دولار شهرياً، بحسب ما يقول الدكتور نبيل نجا، معطوفاً على شهادات بعض العائلات، وهو ما يفوق قدرات الكثيرين. وإما إرسال المريض إلى مراكز خارج العاصمة، ما يعني تكبّد مشقة زيارته، هذا في حال حالف العائلة الحظ بإيجاد سرير له!
غير أن العلاج في هذه المراكز يرتب أيضاً كلفة عالية على عائلة المريض، من أدوية خاصة ومضادات حيوية، تضاف اليها فروقات الجهات الضامنة، هذا إذا صمدت! فشركات التأمين «تسحب يدها» بعد مضي أشهر قليلة على العلاج، و«الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي» لا يلتزم بالتعرفات الاستشفائية، بالرغم من صدور قرار رسمي يقضي بتوحيدها، ما يدفع بعض المرضى أحياناً الى الانتقال من «خيمة» الضمان الى وزارة الصحة، والتي تدفع مبلغاً «مقطوعاً» يومياً عن كل مريض، علماً بأنها متعاقدة مع دور إيواء أكثر من مراكز «العناية الملطفة». ويقول مصدر في الوزارة لـو «السفير» ان ثمة عقوداً مع 22 مركزاً للمسنين، هي عبارة عن بيوت راحة، اثنان منها فقط أُبرمت معهما عقود إضافية لتغطية مرضى «الكوما»، وهي مستشفى دار العجزة في بيـروت، و«مجمـــع الرحمة الطـــبي» فــي طرابلس، علماً بأن عقود «الكوما» لا تنحـصر في المسنـين فقط.
من جهتها، تبرم وزارة الشؤون الاجتماعية 19 عقداً مع دور الإقامة الدائمة، معظمها عبارة عن دور إيواء أيضاً.
وما لا يدعو الى التفاؤل، هو أن الحديث مع المعنيين في كل من وزارتي الصحة والشؤون الإجتماعية، لا ينمّ عن وجود نيّة، أو مخطط في السياسة العامة، للقيام بمشاريع خاصة بهذه الفئة من المسنين. ويعتبر الدكتور نجا أن إنشاء مركز متخصص لها يقل عن الموازنة المخصصة لها، في إطار العقود التي تبرمها كل من الوزارتين مع المراكز التأهيلية. غير أن مصدراً في وزارة الشؤون الاجتماعية يؤكد لـ «السفير» عدم وجود موازنة للقيام بمثل هذا المشروع، وعدم اهتمام الجهات الممولة أساساً بالمشاريع المقترحة لهذه الشريحة العمرية من الناس، بالرغم من سعي الوزارة لتحسين وضع المسنين، عبر «مصلحة الشؤون الأسرية»، و«الهيئة الوطنية الداعمة لرعاية شؤون المسنين في لبنان».
«العناية الملطفة» في دار العجزة
ينفرد «مستشفى دار العجزة الاسلامية» في بيروت عبر»وحدة العناية الملطفة» التي أنشاها منذ سنة ونصف السنة، بتقديم الخدمة الطبية للمصابين بالغيبوبة المزمنة، الأمراض المستعصية، السرطان في مراحله المتأخرة، وكل الحالات الأخرى التي تحال عليها من أقسام «العناية الفائقة» في المستشفيات.
ويقتصر عدد الأسرة في الوحدة على ثمانية، يشغل أربعة منها فقط مسنون. واستقبلت حتى اليوم 55 شخصاً. 34 منهم تتعدى أعمارهم سن الـ65، وأكبرهم عمره 97 سنة. ويتوزعون مناصفة بين الذكور والإناث. يتوزعون كالآتي: 27 حالة من بيروت، 8 حالات من جبل لبنان، 4 من الشمال، 11 من الجنوب، 3 من البقاع، واحد من النبطية، وواحد غير لبناني.
ويعتبر مدير المستشفى عزام حوري أن الوحدة هي «أول مركز للعناية المركزة يُنشأ في مؤسسات كبار السن ومؤسسات الإقامة الطويلة، علماً أنه ليست مخصصاً للمسنين فحسب. وقد انفردنا بتقديم خدمات العناية الملطفة لأمد طويل، عن كل المستشفيات التي تستقبل الحالات المزمنة لفترات قصيرة الأمد».
ويشير الى وجود فريق طبي في الوحدة، وآخر تمريضي متخصص، لافتاً الى أن عدد الأسرة لا يلبي كل الطلبات، حيث ان عشرات الأسماء ما زالت على لائحة الانتظار.
والوحدة التي أنشئت بتمويل من «مؤسسة طلال بن الوليد»، تعمل بالتنسيق مع مستشفى بيروت الحكومي ووزارة الصحة، التي تقدم 137 الف ليرة يومياً عن كل مريض، بما يشكل 85 في المئة من نسبة العلاج، ليدفع المريض النسبة المتبقية، وهي تعادل 25 ألف ليرة، إضافة الى تحميله كلفة بعض الأدوية غير المتوفرة في الوحدة، ومنها المضادات الحيوية، باعتبارها مكلفة.
ورداً على سؤال يوضح حوري «أن معدل الكلفة الذي نتقاضاه من بعض المرضى، يسدّ أحياناً ما يعجز آخرون عن تسديده، بما يحقق نوعاً من التوازن المادي في هيكلية العمل». ويتحدث عن «محاولة جرت للتعاقد مع «الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي»، الا انه لم يعطنا تسعيرة الوزارة نفسها، بالرغم من صدور قرار يقضي بتوحيد التعرفات الاستشفائية».
ورداً على سؤال حول امكانية زيادة عدد الأسرّة في الوحدة، يشدد حوري على صعوبة القيام بهذه الخطوة حالياً، «لكننا نسعى إلى شراء قطعة أرض خارج بيروت، لانشاء مؤسسة متخصصة بكل خدمات كبار السن المرضى وغير المرضى، ومنها خدمات العناية الملطفة وخدمات المرضى العقليين والنفسيين».
مركز بحنس
يتضمن «مركز بحنس الطبي» مستشفى طب عام، (عمليات جراحية)، مركزاً للعلاج الفيزيائي (مار منصور)، ومركز شلل دماغي للأطفال، ومركز الإقامة المتوسطة والطويلة، وبعض مرضى المركز الأخير من المسنين.
تأسس «مركز الإقامة المتوسطة والطويلة» العام 1997، ويضم حالات الغيبوبة، الشلل، السرطان، الزهايمر، وبعض الأمراض المزمنة في مراحلها المتقدمة. ويضم 60 سريراً»60 في المئة من المرضى مسنون، ووضع بعضهم مأسوي، ولا قابلية للحياة لديهم»، يقول مدير «مركز بحنس» ميشال شاهين. ويشير شاهين الى ان «مركز بحنس» متعاقد مع وزارة الصحة منذ أسبوع فقط، على أن يبدأ بالاستفادة الفعلية من مضمون العقد في العام 2010.
ويثير مشكلة الضمان الذي يغطي المريض لتسعة أشهر كحد اقصى، ويمدد التغطية لثلاثة اشهر إضافية بناء على تقرير لجنة طبية. لذلك يبدأ بعض المرضى بالعلاج على نفقة الضمان، ثم يتحولون الى وزارة الصحة، أو يتابعون العلاج على نفقتهم الشخصية.
ورداً على سؤال، ينفي شاهين عدم تلقي أي تبرعات لإدارة هذا المركز، «وإذا أردنا الإعتماد عليه نمنى بالخسارة لا محالة، لذا نعتمد على المراكز مجتمعة، إضافة الى المزرعة المتواجدة في نطاق المستشفى».
ويقول: «نتعرض لضغط كبير، و60 سريراً هو رقم أقل عن الحاجة الفعلية للأمراض المستعصية، علماً بأن مركزنا من المراكز القليلة في لبنان الذي يستقبل حالات طويلة الأمد، وثمة مستشفيات كبيرة تحول مرضاها الينا، من بيروت ومختلف المناطق. وخلال معارك نهر البارد استقبلنا عشر حالات مستعصية من عناصر الجيش اللبناني. كما تردنا حالات من العالم العربي الى بعض المراكز».
والمركز التابع «لجمعية راهبات المحبة»، احتفل العام الماضي بيوبيله المئوي. وهو شبه قرية، يضم حوالى أربعة كيلومترات كطرقات داخل المستشفى. ويزنر طرقاتها شجر الأرز، والصنوبر والسنديان والسرو والشربين. واشتهر منذ سنوات طويلة بخاصيته كمستشفى مناسب لعلاج مرضى السل، نظراً لمركزه الجغرافي والمناخي. كما ينفرد بمزرعة ماشية ودجاج لإنتاج الألبان والأجبان واللحوم والبيض، وهي نتاج بلدي يستفيد منه المرضى».
مجمع الرحمة
يستقبل «مركز الغيبوبة» للإقامة الدائمة الذي استحدث في «مجمع الرحمة الطبي» في طرابلس، حالات من عمر ثلاث سنوات وحتى ثمانين عاماً.
افتتح المركز منذ ثلاثة أشهر، ليبدأ باستقبال المرضى فعلياً منذ حوالى شهر فقط، بالتعاقد مع وزارة الصحة. ويستقبل في الطابق الثالث من المجمع، حالات الغيبوبة الناجمة عن جلطات دماغية، حوادث سير، إصابات عمل، داء الصرع، والامراض المزمنة الاخرى، باستثناء الزهايمر. ويتضمن 12 سريراً، ويستفيد من خدماته سبعة مرضى غيبوبة حتى اليوم بعد ان توفي ثامن مؤخراً، يتوزعون كالآتي: طفل (12 سنة)، شابان، وأربعة من كبار السن. (وزارة الصحة تغطي ستة مرضى فقط). ويضم المجمع الذي تأسس منذ عشر سنوات، قسمين آخرين: قسم العلاج الفيزيائي للأطفال، وقسم العلاج الفيزيائي للبالغين والمسنين، (20 في المئة مسنون).
ويقول مدير المجمع، التابع لجمعية الشباب الإسلامي، عزت آغا: «نحاول إعادة تأهيل المريض لتتحسن وظائفه الجسدية، لا سيما الشباب الذين لديهم إصابات جراء حوادث السير، ومن بينهم شاب استفاق مؤخراً من الغيبوبة، ونسعى لنزع الأنبوب من معدته وإغلاق الفتحة في منطقة حنجرته، على أمل إعادته الى منزله. أما بالنسبة الى كبار السن فبعضهم تتحسن حالته الصحية على أمل مغادرة المركز، الا أن هناك حالات أخرى متأزمة، ومع ذلك نخضعها باستمرار للعلاج الفيزيائي لتصمد في الحياة لأطول فترة ممكنة».
ويلفت آغا الى أن المرضى المتواجدين في المركز كلهم من الشمال. ويؤكد مسألة الموقع الجغرافي للمجمع، الذي يلعب دوراً في عدم استفادة كثيرين منه، ممن يعيشون خارج الشمال، وتحديداً في بيروت. ويقول: «ان مستشفى كبيرة في بيروت يحول الينا أحياناً مرضى بحاجة للإقامة الدائمة، ولكن أهاليهم يعارضون على أساس البعد الجغرافي.»
ويقول: «المجمع مستشفى متخصص فئة ثانية، لا نظام اعتماد لدينا (لا غرف عمليات ولا طوارئ..)، ولا ندخل في منافسة مع احد، بل نقدم نوعية خدمات يحتاج اليها المجتمع ولا تتوافر بكثرة».
ويشير الى «أن الكلفة الوسطية لعلاج مريض الغيبوبة عالية جداً، وتبلغ 350 الف ليرة يومياً، بحسب دراسة خاصة بالمجمع، ودراسات معظم الجهات الضامنة. والمجمع متعاقد مع وزارة الصحة التي تدفع 137 الف ليرة يومياً عن مريض الغيبوبة، وهو مبلغ بسيط، ولا يدفع المريض دائماً نسبة الـ15 في المئة المتبقية، بسبب أحواله المادية. في حين يتوجب علينا تأمين كل احتياحات المريض، علماً بأننا نؤمن له بعض الأدوية، فيما نطلب منه تغطية أدوية اخرى كالمضادات الحيوية بسبب كلفتها العالية. ولدينا عبء تأمين رواتب الممرضين ومجموعها 11 مليون ليرة شهرياً، ورواتب الأطباء البالغة سبعة ملايين ليرة شهرياً. ونحاول تخفيف هذا العبء من خلال تلقي مساعدات «وكفالات» اجتماعية.
ويلفت آغا الى «أن السعي جارٍ لإيجاد صيغة مع «الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي»، ومشكلته أنه لا يغطي الإقامة الاستشفائية الطويلة».
«الصحة»: الكرة في ملعب المستشفيات
يفيد مصدر في وزارة الصحة أن الوزارة متعاقدة مع 22 مركزاً لإيواء المسنين في لبنان، اثنان منها فقط أجرت معها عقود لتغطية مرضى الكوما، وهي مستشفى دار العجزة في بيروت، و«مجمع الرحمة الطبي» في طرابلس. والعقود الباقية مبرمة مع عدد من المراكز الموزعة في المحافظات، ومصنفة فئة ثانية، وتستقبل كل الأعمار، واختصاصاتها: أمراض عقلية ونفسية، وشلل دماغي، وحالات قابلة للشفاء وحالات غير قابلة للشفاء...
ويفيد المصدر «أن الوزارة تدفع 15 ألفا و700 ليرة يومياً عن كل مريض يحتاج للاقامة الطويلة، وهو مبلغ قابل للتغيير حسب نوعية الخدمة الطبية التي تقدم له، و137 الف ليرة يومياً عن مريض «الكوما». ويشير الى أن قيمة المبالغ الإجمالية التي تدفعها الوزارة بموجب العقود مع كل المراكز مجتمعة، تبلغ 25 و26 مليار سنوياً».
ورداً على سؤال حول إمكانية تغطية المزيد من أسرّة المسنين ذوي الحالات المستعصية، يوضح المصدر «أن الكرة في هذا المجال هي في ملعب المستشفيات والمراكز المعنية، فنحن نغطي عدد الأسرّة الذي تطلبه، علماً بأن بعضها يعمد الى تحجيمه، بغية العمل على حسابها الخاص، لأن ذلك مربح أكثر».
معدل وسطي للأعمار 72 سنة
ما زال طب الشيخوخة غير منتشر كبقية الإختصاصات في لبنان، وعدد المتخصصين في هذا المجال لا يتجاوز أصابع اليدين، وهو عدد مقبول إذا ما قورن بالبلدان العربية الأخرى. الدكتور نبيل نجا هو أحد أبرز هؤلاء، يقدم بدايةً تعريفاً لطب الشيخوخة، ثم يعرض وجهة نظره في واقع المسنين ذوي الأمراض المستعصية، منتهياً الى سلسلة اقتراحات، تبدأ بإنشاء مركز متخصص، وتنتهي بدعم العائلات التي «تحضن» مريضها.
يوضح نجا، وهو رئيس قسم المسنين في دار العجزة واستاذ في كلية الصحة في الجامعة اللبنانية، «ان القول بأن أمد الحياة كان أعلى في الماضي، إنما هو خطأ شائع، لأنه يزيد باستمرار. وكان يبلغ في الخمسينيات 54 سنة وسطياً، اما اليوم فأصبح 72 سنة، وهو يقل عن أميركا (79 سنة) وفرنسا (83 سنة). نحن اذاً مهيؤون جينياً لنعيش حوالى 130 سنة. أما عدد كبار السن فارتفعت نسبتهم من 4,3 في المئة في السبعينيات الى حوالى 10 في المئة اليوم، بما يعادل 360 ألف مسن. من دون أن نلحظ هجرة الشباب، لأن ثمة قرى تصل فيها نسبة المسنين أحياناً الى حوالى 70 في المئة، بسبب هجرة الشباب.»
ما هو طب الشيخوخة؟
يقول نجا ان علم الشيخوخة قديم، وجزء منه هو طب الشيخوخة، وهو حديث نسبياً يعود الى السبعينيات في أميركا وأوروبا الغربية. وهو علم يدرّس كيف يشيخ المرء جينياً، جسدياً، فيزيولوجياً، إجتماعياً، اقتصادياً، ونفسياً. وكيف يحافظ لأطول فترة ممكنة على قدراته الجسدية، حتى لا يتحول الى مسن عاجز، والى عبء على المجتمع والدولة. ويضيف: «ثمة تعريفان لمرحلة الشيخوخة، الأول يفيد بأن مرحلة الشيخوخة تبدأ من عمر 65 سنة، لكننا لا نعترف بالأرقام طبياً وفيزيولوجياً. والثاني يشير الى ان الشيخوخة تبدأ بالعمر الثالث، أي عندما يتخطى المسن الـ65 عاماً، ويكون مستقلاً تماماً جسدياً وعقلياً. وفي العمر الرابع، أي عندما يكون غير مستقل ويحتاج الى مساعدة الغير». ويشير نجا وهو طبيب في مستشفى «كليمنصو» الى أن الأساطير تتحدث عن نبتة تطيل العمر أو تعيد الشباب، الى أن طب الشيخوخة وجد أن طريقة حياتنا هي التي تحدد كيف نشيخ، والحياة هنا بالمعنى الاجتماعي والعاطفي والمتغيرات التي تطرأ في هذا المجال في محيط العائلة، كهجرة الأبناء والتقاعد، وموت أحد المقربين...
ويلفت الى أن عدد أطباء الشيخوخة في لبنان يقتصر على عشرة أطباء فقط. ويعزو سبب قلة أطباء الشيخوخة على مستوى العالم كله الى أسباب عدة، منها قلة الرغبة لدى الأطباء في التعاطي مع هذه الشريحة من الناس، حداثة طب الشيخوخة، ومحدودية عوائده المادية.
الغيبوبة المزمنة
يعتبر نجا أن الحديث عن حالات الغيبوبة المزمنة للمسنين هو بمثابة وضح اليد على الجرح، خصوصاً أنها تحتل في المستشفيات الكبيرة، بين 30 في المئة الى 50 في المئة من أسرّة أقسام العناية الفائقة فيها، على مدى شهور وسنوات، وهي ظاهرة غير صحية بتاتاً، إذ يتم علاجها على نفقة الوزارة، التي تدفع بين مئتين وثلاثمئة دولار يومياً لكل حالة. علماً بأن علاجها لا يحرز تقدماً، الا في مجال تحسين طاقات المريض نسبياً، والمحافظة عليه بشكل لائق».
ويؤكد أن المشكلة هي في عدم استيعاب المراكز الموجودة الخاصة أكثر من 10 في المئة من الحالات الطويلة الأمد. ونظراً للنقص الفادح، يقترح تشكيل لجنة متخصصة في وزارة الصحة، لإعداد دراسات حول ترشيد الانفاق، ومرضى الغيبوبة في كل المستشفيات، لإنشاء مركز متخصص بكلفة أقل، مما تنفقه الوزارة على اسرّة المستشفيات، علماً بان الكلفة الدنيا لرعاية مريض الغيبوبة تبلغ مئة دولار يومياً، وقد ترتفع كثيراً في حال الحاجة الى مضادات حيوية وأدوية خاصة. وفي احسن الاحوال، يقترح نجا دعم الوزارة لمزيد من الأسرّة في «وحدة العناية الملطفة» في دار العجزة، ودعم مؤسسات الرعاية القادرة على إنشاء وحدات مماثلة، ولا سيما في بيروت الكبرى، باعتبار أن نصف سكان لبنان يعيشون في نطاقها. ويشير الى «انه إذا كان هناك مؤسسات رعائية فئة ثانية خارج بيروت، الا أن الحاجة تبقى أكثر بكثير مما هو متوفر».
الرعاية العائلية
ورداً على سؤال حول مدى إمكانية رعاية مريض الغيبوبة ضمن العائلة، يقول نجا «ان كلفة رعاية هذا المريض في المنزل كلفة باهظة، وتقارب ستة آلاف دولار، تتوزع بين أجرة ممرضين (على مدى 24 ساعة)، وتوفير أجهزة الأوكسجين وشفط البلغم.. وكلفة علاج فيزيائي وزيارات الطبيب من وقت لآخر.
ويشدد على أهمية دعم المحيط الاجتماعي لهذه العائلات، لأن ذلك يحافظ على كيان الأسرة الشرقية وتلاحمها، ويجنب المريض ولادة بكتيريا لديه مقاومة للمضادات الحيوية، جراء بقائه طويلاً في المستشفى».
ويقول: «في الخارج يُمنح الموظف الذي يرعى حالة كهذه إجازة مفتوحة، يُعطى خلالها قسم من راتبه». ويقترح على وزارتي الصحة والشؤون الاجتماعية دعم هذه العائلات، من خلال تشكيل فريق عمل متخصص يرأسه طبيب، مع سيارة إسعاف مجهزة، لزيارة حوالى 30 مريضاً شهرياً بين أسرهم في بيروت، للقيام بفحص المريض وغسله، وتقديم العلاج الطبي والفيزيائي له...وهو ما يتوافر في دول الخليج كبديل عن مراكز المسنين، ولا سيما أن بعضهم غير متزوجين ولا أولاد لديهم لإعالتهم. وهي الدول التي تدعم هذه العائلات مادياً أيضاً، وتؤمن لها التجهيزات الطبية والادوية. ويؤكد نجا «أن كلفة تشكيل هذه الفرق الطبية اقل بكثير من كلفة إنشاء مراكز لاعالة مرضى الغيبوبة، الا أن المشكلة في لبنان هي عدم وجود تخطيط علمي». 

No comments:

Post a Comment