Translate

Thursday, July 31, 2014

جريمة في وضح الليل

  •  
  •  
1 آب 2014
كالتلذّذ الساديّ. 
كالتعذيب الواعي. 
المنهجي. 
المقصود.
 كالقتل العلني.

هذا هو الموتُ المسموحُ به في المستشفى، عندما يعجز الطبّ.
لَشيءٌ لا يُحتَمَل أن يكون المرء شاهداً على موتٍ علميّ، قانونيّ، هادئ، بطيء، ومحتوم، كهذا.

لا أريد لأحدٍ ما أن يشهد على شيءٍ متوحّشٍ كهذا.
 فكيف إذا كان هذا الـ"أحد" شخصاً "طبيعياً" و"عاطفياً"! كيف إذا كنتَ أنتَ نفسكَ؛ الإبن أو الإبنة؛ الشقيق أو الشقيقة؛ الأب أو الأمّ؛ الحفيد أو الحفيدة؛ تشهد على هذا القتل المعلَن في الليل الاستشفائيّ الراضخ لكلّ جريمةٍ من هذا النوع؟
أقانونيٌّ؟ أأخلاقيٌّ؟ أطبيعيٌّ، أن يحدث مثل هذا؟! حتى لأسأل في الليل المتحشرج: أإلهيٌّ، هو هذا القتل المعذِّب؟!

لا أتّهم أحداً بالطبع. 
ولا أحاكم أحداً.
 لكن، ها أجدني أسأل هذا السؤال الأخلاقيّ القانونيّ: أيهما قتلٌ؛ القتل الرحيم، أم هذا الذي تشهده بحواسكَ جميعها، وبالعقل، وبالقلب، عارفاً المعرفةَ العلمية والطبية، وبلسان العقل، أن لا سبيل إلى الخلاص من هذا المصير، بسوى القتل النبيل الذي يشرِّف الأخلاق الطبية و... الإلهية؟!
* * *

أُعطيتُ نعمةَ (!) أن أشهد، مع شقيقات إلهيّات لي، على تعذيبٍ كهذا طوال ليلتَين متواليتَين. كان الموت، موت الوالدة، ليكون طبيعياً، مقنعاً، وحتمياً، بسبب انهيار وظائف الجسد.
 لكن وعي الجسد لحياته ولموته كان أقوى.
لم يوفّر الجسمُ الطبيّ وسيلةً طبية، "قانونية" و"أخلاقية"، إلاّ استخدمها.
 لكن الجسد المحشرِج كان يأبى الرضوخ لهذا الحدّ "القانوني"، "الأخلاقي". وكم سمعتُه كان يصرخ، من دون كلام: أغيثوني بشيءٍ "أكثر"، "أقوى"، "أعنف"، "أعمق"؛ شيءٍ يمحو الصراخ برمّته، يخنقه، ويمنح ليل السرير، والغرفة، والمستشفى، أن ينام في صمته العميم.

في حالاتٍ مقنّنة، ومحدّدة، كهذه، لماذا لا تنفسح الأبواب أمام الموت لتسهيل عبوره، ولإمراره إمراراً أخلاقياً، خالياً من التعذيب؟!

كم يعزّيني من الآن أن أكتب للجميع، كوصية، كإنذار: افتحوا الأبواب أمام موتي، عندما يأتي الوقت، لتسهيل عبور هذا الموت. وهو يأتي، بالطبع، عندما يقف الطبّ عاجزاً لدى انهيار وظائف الجسد، وأمام إسكات العذاب.
كلّ مَن لا يطبّق هذه الوصية يكون ملعوناً عندي إلى الأبد.

كم يعزّيني، من الآن، أن ينوب هذا الحبرُ صارخاً باسمي مسبقاً، عندما لن يعود في مقدوري أن أصرخ بالكلمات: عدم السماح لمثل هذا القتل الرحيم هو قتلٌ واعٍ، مقصود، ومطلق. كالقتل الذي يوازي الجريمة الموصوفة.

خذوا كلامي بمثابة إخبار، ما دمتُ لم أستطع أن أفعل شيئاً أمام جريمة ارتُكِبت في وضح النهار. بل في وضح الليل!

No comments:

Post a Comment