Translate

Friday, August 9, 2013


Euthanasia  Euthanasia Euthanasia
الموضوع: مبادئ مسيحية
 
  الموت الرّحيم: أرحمة أم جريمة؟
الكاتب:     مارغو حكيّم
 
"اليوثنيزيا" Euthanasia هي كلمة يونانيّة تعني الموت الرّحيم أو المُيَسَّر. استخدمها أوّلاً الفيلسوف الإنجليزيّ "فرنسيس بايكون" عام 1605، وعنى بها أنّ على الطّبيب "مصاحبة روح" المريض لتسهيل لحظاته الأخيرة. وأصبحت في القرن التّاسع عشر، تعني القتل الرّحيم وإنهاء حياة مريض ميؤوس من شفائه، بناءً على طلبه، وبدافع الإشفاق عليه بسبب معاناته.
لقد استُخدمت طرق متعدّدة للـ"يوثنيزيا"، بعضها محظور وبعضها معترف به، منها: القتل المتعمّد، ويتمّ بفعل مباشر كإعطاء المريض جرعة قاتلة من المورفين، والموت النّاجم عن إعطاء جرعات مضاعفة من مسكّنات تؤدّي إلى الموت، والموت النّاجم عن فصل جهاز التّنفّس ويُعطى لمرضى في حال الغيبوبة، والموت النّاجم عن الإمساك عن العلاج بحيث يتمّ وقف إعطاء العلاج المناسب.
ينطلق المؤيدّون لفلسفة الـ"يوثنيزيا" من فكرة أنّ الموت الرّحيم هو أوّلاً في مصلحة المريض، الّذي يملك الحرّية الفرديّة في تقرير مصيره، والحقّ في الرّحمة ليرتاح من معاناته. وثانيًا في مصلحة الأهل، إذ علينا أن نرحمهم بسبب معاناتهم ونراعي وضعهم المادّيّ والاقتصاديّ.
الموت الرّحيم في الأخلاق الطبيّة
نتساءل: هل الموت الرّحيم هو انتحار يطلبه المريض أو قتل يرتكبه الطّبيب؟ فعندما نسمح للمريض بالموت الطّبيعيّ يكون المرض هو القاتل، أمّا إن سمحنا لطبيب بأن يساعد في عمليّة الموت الرّحيم، يصبح الطّبيب هو القاتل. وهناك فرق كبير بين الأمرين. فهل الأمر الإراديّ لإنهاء الحياة اليوم، يصبح مُقتَرحًا على المرضى أو مطلوبًا من الأهل في المستقبل؟ أو هل يصبح ضحايا المستقبل ممّن لا يتمنَّون الموت بل ممّن يرى الطّبيب أو الأهل وجوب موتهم؟
مهنة الطّبّ هي للعلاج وليس لوقف العلاج. والطّبيب يزاول مهنته عبر ترخيص لمعالجة النّاس، وليس عبر ترخيص لقرار موتهم. فالإنسان لا ينطبق عليه منطق الطّبّ البيطريّ حيث يتمّ التّخلـّص من الحيوان المريض وغير المنتِج. أين القَسَمْ الّذي يؤدّيه الطّبيب المعروف بـِ Hippocratic Oath والّذي يعود إلى العام 400 ق. م. وفيه يُقسم الطّبيب أنّه لن يقدّم أيّ دواء مُميت لأحد وإن طلبه، ولن يُقدّم نصيحة في هذا الموضوع؟ وكأنّ الطّبيب هنا يرمي في سلّة المهملات ألفي عام من ممارسة الطّبّ والأخلاق الطبيّة.
 
 
 
من هو "طبيب الموت"؟
إنه الأميركيّ من أصل أرمنيّ "جاك كيفوركيان"، أخصائيّ أمراض مُتقاعد، وقد مُنِح هذا اللّقب لدوره في مساعدة نحو 130 مريضًا على الانتحار. ظهر للمرّة الأولى في العام 1990 حين ساعد امرأة تعاني مرض الـ"إلزهايمر" لتقتل نفسها بواسطة إحدى آلات الموت المصمَّمة من قِبَله. وكان "كيفوركيان" (81 سنة) قد خرج من وراء القضبان بعد ثماني سنوات مُدانًا بارتكاب جريمة قتل من الدّرجة الثّانية على خلفيّة مساعدته رجلاً على الانتحار.
"لستُ نادِمًا"، قالها أمام 5000 طالب في جامعة فلوريدا. "يجب أن يكون لدينا الحقّ في مساعدة مَن يرغب في الموت الرّحيم"، "إنّها خدمة طبيّة"، أوضح متعجرفًا. ولم يتأثّر "كيفوركيان" حين عارضه الكثيرون بخروجهم من القاعة بأعداد كبيرة، لا بل أجاب بسخرية عن سؤال "ماذا يحصل لِمَن يموت؟" فقال: "إنّه يَنتَن". فهل هذا صحيح؟ طبعًا لا، وهو يتعارض مع وعد يسوع بأنّه يذهب ليُعِدّ لنا مكانًا ومن ثمّ يأتي ليأخذنا حتّى حيث يكون هو نكون نحن معه.
بالإضافة إلى ارتكابه الجرائم المذكورة، فقد عُرف بفنّه أيضًا. وهذه إحدى الصّور الّتي قام بعرضها ضمن 16 لوحة أخرى مشابهة في متحف أميركيّ في "واترتاون"، وتُظهر ما يمتكله قلبه "الرّحيم والمدافع عن حقوق البشر".
 
التّشريع والقوانين
على الرّغم من أنّ حياة الإنسان يحميها القانون، إلاّ أنّ عددًا من الدّول شرّعت الـ"يوثنيزيا" مع تحديد ضوابط، وأدانته الأكثريّة السّاحقة من الدّول لأنّها رأت فيه عملاً يتعارض مع القيم الأخلاقيّة والاجتماعيّة. أمّا الّذين عارضوا تشريع الموت الرّحيم فعارضوه للأسباب التّالية:
·       المطاطيّة في استخدتم القانون وتفسيره، إذ يمكن التّحايل على التّشريعات. في هولندا مثلاً 41% من الأطبّاء يطيعون القانون، 27% اعترفوا بقيامهم بالـ"يوثنيزيا" من دون إرادة المريض. لذلك، يحمل معظم الشّعب الهولنديّ اليوم بطاقة تؤكّد أنّه لا تجوز مُمارسة الموت الرّحيم عليه من دون إرادته.
·       عدم تحديد المرحلة الّتي يمرّ فيها المريض حيث يطلب الـ"يوثنيزيا". لأنّ أيّ مريض يعاني داء عضالاً، قد يمرّ في عدّة مراحل وهي الإنكار، الغضب، الرّفض، الاكتئاب، ومن ثمّ القبول والتّسليم. ففي أيّ مرحلة يُؤخَذ القرار؟ ألا تؤثّر المرحلة في نوعيّة القرار؟
·       مُمارسة الضّغوط على المريض بهدف الحصول على إرث، أو لجعله يشعر بأنّه عبء على أهله.
·       تشكيل خطر على مجموعات ضعيفة في المجتمع، كمرضى "متلازمة داون" (المنغوليّة) مثلاً.
·       الخوف من استعمال الـ"يوثنيزيا" لمرضى من دون إذنهم.
·   تزعزع الثّقة بمهنة الطّبّ، وزوال المصداقيّة بين الطّبيب والمريض بسبب تحوّل دور الطّبيب إلى مُتحكِّم في الحياة بدلاً من أن يكون مؤتَمنًا للمحافظة عليها.
هل هناك بديل للـ"يوثنيزيا"؟
يضع المتخصّصون بمادّة الأخلاق الطبيّة المبادئ التّالية كأساس لبديل أخلاقيّ وطبّيّ مقبول مُعارِض للموت الرّحيم:
·       العمل على التّوسّع في إنشاء مراكز تهتمّ بأصحاب العلل المستَعصيَة.
·       إعداد مُتخصّصين للاهتمام بأعباء العناية بهم.
·       تطوير العلاج التّسكينيّ وتثقيف الطّبيب في كافّة وسائل العلاج المتوفّرة.
·       دعم المرضى معنويًّا وروحيًّا.
·       عمل الفحوصات الدّوريّة للتّخفيف من الأمراض المحتملة.
·       ترك الطّبيعة تأخذ مجراها وعدم استعجال الموت.
نظرة الإيمان المسيحيّ إلى الموت الرّحيم
للربّ وحده سلطة وهب الحياة وأخذها
الموت الجسديّ حتميّ، ويصير عندما تترك الرّوح الجسد وتعود إلى مَن أعطاها (جامعة 12: 7). الله يُعلن أهدافه أحيانًا للإنسان من خلال معاناته "في يوم الخير كـُُن بخير، وفي يوم الشّرّ اعتَبِر. إنّ الله جعل هذا مع ذاك، لكيلا يجد الإنسان شيئًا بعده" (جامعة 7: 14). فالله هو مُعطي الحياة وآخذها في عِلمهِ (أيّوب 1: 21)، وله وحده السّلطان على الإنسان والموت والحياة (جامعة 3: 2)، وقد حدّد موعد موت كلّ واحد منّا (أيّوب 7: 3، عبرانيّين 9: 27). الـ"يوثنيزيا" هي أخذ الحياة قبل الموعد المحدَّد من الله، وهي محاولة لسلب الخالق هذه السّلطة من قِبَل المخلوق.
الرّبّ ضدّ مبدأ القتل
الحقيقة قاطعة، الله يُعارض القتل أدعوناه رحيمًا أم لا. إنّه صاحب السّيادة المطلَقة في توقيت موت الإنسان وفي تحديد كيفيّته. قال أيّوب: "لأنّي أعلَم أنّك إلى الموت تُعيدُني، وإلى بيت ميعادِ كلِّ حيٍّ" (أيّوب 30: 23). وأكّد سليمان الحكيم "أنّ ليس لإنسان سُلطان على الرّوح ليُمسِك الرّوح، ولا سُلطان على يوم الموت" (جامعة  8: 8). إنّ الـ"يوثنيزيا" تضرب الوصايا العشرة (خروج 20: 13).
الرّبّ ضدّ مبدأ الانتحار
ترتبط جميع حالات الانتحار في الكتاب المقدّس بالوضع المأساويّ لأشخاص مُنهارين. نتذكّر منهم موسى (عدد 11: 15) وإيليّا (1ملوك 19: 4) ويونان (يونان 4: 3)، الّذين بسبب يأسهم في ظروف صعبة طلبوا الموت. وكان الرّبّ في كلّ حالة يسدّ احتياجهم فيعودون إلى وضع الانتصار والنّجاح. ونتعلّم من خلال قصّة الملك شاول الّذي انتحر بعد أن رفض أحد جنوده قتله، أنْ نُظهِر الاحترام للحياة، على الرّغم من الأوضاع المأساويّة الّتي يمرّ فيها الإنسان. ونقرأ نّ الملك داود قد دان هذه الحادثة في 2صموئيل 1: 14–16). الـ"يوثنيزيا" هي القبول بمبدأ الانتحار، والانتحار مُدان في الإنجيل.
الإنسان مُلك الله وهو مخلوق على صورته ومثاله
الكتاب يعلـّم أنّ الإنسان مخلوق على صورة الله ومثاله (تكوين 1: 27)، ولديه روح (تكوين 2: 7) وكرامة. فالحياة هي هبة من الله منذ نَسَجَنا في بطن أمّنا. إنّنا ملك له (1كورنثوس 6: 19-20) وأجسادنا هي هياكل لروحه. نحن أعضاء في جسده وقد اشتُرِينا بثمن (1كورنثوس 6: 15، 19). فمَن نحن لنقرّر إن كانت حياة شخص آخر مهمّة ليعيش أم لا؟ الـ"يوثنيزيا" هي اعتبار الإنسان نفسه مالك لروح أخيه الإنسان وله حقّ التّصرّف بها.
 
إنّ القتل الرّحيم هو حلّ مزيّف لمأساة الألم. فعلى الرّغم من صورة الرّحمة والشّفقة الّتي تُعطى لهذه الممارسة، لكنّها في الحقيقة ليست سوى التّخلّي عن المريض عندما يكون في أمسّ الحاجة إلى الدّعم المعنويّ والنّفسيّ والجسديّ. وبما أن حقّ الحياة مُقدّس ولا يحقّ للإنسان المساس به، فغير مسموح أن نقبل بهذه الجريمة ونُوصَم بها. وهنا يفيدنا أن نسمع تحذير الملك سليمان: (أيّها الإنسان) "لا تكن شرّيرًا كثيرًا ولا تكن جاهلاً. لماذا تموت في غير وقتك؟" (جامعة 7: 17)

No comments:

Post a Comment