Translate

Monday, April 1, 2013

المركز الاول من نوعه في البقاع لمكافحة الألم ومواكبة المحتضرين


  • 2013-05-05



في خضم الظروف التي تمر بها بلادنا، وفي وقت يصارع المرء كي يحيا من دون ان يطمح في ان يعيش بكرامة وبحبوحة، قد تبدو فكرة البحث عن تخفيف الألم ومساندة المحتضرين عبثية كي لا نقول سخيفة، غريبة كي لا نقول مجنونة، طوباوية كي لا نقول غبية. ومع ذلك فمن حق الانسان ان يجد الى جانبه من يخفف عنه الألم وعن أهله المعاناة والقلق والحيرة، فكيف إذا كان الامر يصل الى مرحلة الاحتضار والنزاع؟ ومن واجبنا، نحن القادرين على فعل ذلك، ان نسعى لتأسيس مراكز تساعد المتألمين والمحتضرين على ان يحاطوا بفريق يحسن العناية بهم، وأن ينعموا بنهاية حياة تليق بالانسانية.
فبعد نحو قرن على انطلاق هذا النوع من العمل في العالم، صار لا بد لنا من تدعيمه في لبنان، وبخاصة بعد انتشار الامراض وارتفاع نسبة الخطر والمؤلم والمميت منها. ولن يعفينا من هذه المهمة ان نقول إن الحروب والصراعات تحصد المئات والألوف، فقد لا نستطيع ان ننقذ البشر جميعاً، لكننا نستطيع ان ننقذ المرضى من آلام مبرّحة، ومخاوف كبيرة، لا يعرف نسبتها ونوعها وقسوتها الا من واكب عن كثب ما يعانيه المصابون بالسرطان والسكري وامراض القلب والكلي وغيرها.
لا يخفى على احد غياب ضمان الشيخوخة في لبنان، والصعوبات التي يواجهها المرضى المصابون بأمراض خطرة ومؤلمة، وما يكابده أهلوهم من اجل التخفيف عن احبائهم. لذلك كانت فكرة هذا المشروع الهادف الى انشاء مؤسسات طبية، خارج بيروت، تعنى بإعداد المريض وأهله ومعالجيه من أطباء وممرضين ومساعدين وعاملين اجتماعيين، ليواجه مرضه ويحتمل ألمه وليستعدّ إن دعت الظروف الى مواجهة الموت بكرامة وباقل قدر ممكن من الآلام الجسدية والنفسية.
ونحن إذ نعلن بدء العمل على تحقيق هذا المشروع، ولو في مركز واحد على الاقل وكنقطة انطلاق (في محافظة البقاع)، فلأننا، وقبل ان نكون أطباء، مواطنون لبنانيون. ويعنينا ان نساهم بقدر استطاعتنا في تخفيف أوجاع أبناء وطننا، بعدما رأينا كيف تعمل الدول المتحضّرة على تأمين كل مساعدة ممكنة لتزويد المرضى العلاج الجسدي والدعم المعنوي لمواجهة أصعب ما يمكن أن يواجهه البشر أي الألم والموت.
لم تعد الحياة في لبنان كما كانت عليه منذ عشرات الاعوام، فالروابط العائلية ترزح تحت ضغوط العمل والحاجة المادية والتغيرات الاجتماعية، ما يعني أن الناس لم يعودوا قادرين، كما كانوا في ماضي أيامهم، على الجلوس طيلة الوقت الى أسرّة مرضاهم. وباتت الحاجة ماسة لتأسيس مراكز تقوم بهذا العمل، بمهنية واحتراف وتخصّص. ولم يعد مسموحاً أن يموت الانسان في لبنان في أبشع الظروف وأقساها، لعجز الناس المادي ولعدم وجود مؤسسات كهذه، ونحن في القرن الحادي والعشرين، الذي صرنا نعرف فيه كيف نخفّف آلام الناس. والمفارقة المضحكة المبكية أن المأتم يكون غالباً على مستوى عال من التنظيم والدقة والكلفة، وفي حضور شعبي ورسمي.
ولا يغيبنّ عن بالنا الاشارة الى أن هذا العمل لا يخفّف من آلام الناس ومعاناتهم فحسب، بل يقوم، بشقه التطوعي، على تنمية حس المواطنية عند الراغبين في التطوع، إذ يقدمون وقتهم لمجالسة المرضى والمحتضرين، ويصغون اليهم من دون أن يحلّوا مكان الأطباء والأهل والأصدقاء. لكن المعاناة التي قد تطول، تحتاج الى تضافر جهود أكثر من فريق كي لا ينهار الجميع دفعة واحدة، وخصوصاً أن الأهل يعانون الأمرّين مع أحبائهم المرضى، بسبب المعاناة نفسها وبسبب عجزهم عن فعل أي شيء.
ونحن إذ نؤكد أهمية وجود مراكز من هذا النوع، لا ننفي أهمية مواكبة المتألمين في منازلهم، وبين أهلهم، حيث يكون الإطار العائلي في البيت عنصراً مساعداً على تقوية معنويات المتألم وتخفيف غربته في مواجهة ما لا يعرفه. من هنا أهمية العنصر البشري المتمثل في سلسلة من الأطباء الاخصائيين والممرضين والمعالجين الفيزيائيين والنفسيين، فضلاً عن المتطوعين. فلقد حان الوقت للتخلص من الألم ومن آثاره الكارثية على الكائن البشري، وصار من الضروري وضع الإمكانات كلها في خدمة الانسان المتألم والمحتضر، وفي رعاية أفراد عائلته وأصدقائه الذين تهدّهم المعاناة نفسياً وجسدياً. والعلم يسمح بتحقيق ذلك، فلماذا لا نضعه في خدمة المحتاجين؟
وها نحن نعلن إنشاء مؤسسة في هذا الاتجاه، لتضع كل هذه التصورات على سكة التحقق، وبإدارة علمية متخصصة وهادفة.
الدكتور ناجي ميماسي
(رياق - البقاع)

No comments:

Post a Comment